التفاصيل
ألقى النائب حسن فضل الله كلمة في جلسة مناقشة البيان الوزاري جاء فيها:
"تمثل الحكومة اليوم أمام المجلس النيابي لنيل الثقة على أساس بيانها الوزاري، وهذا بالشكل نص دستوري ملزم، وفي المضمون من المفترض أن يكون البيان هو برنامج عمل الحكومة الذي تحاسب أمام المجلس النيابي على حسن تطبيقه، لكن الشكل يغلب على المضمون، فالمحاسبة مغيبة لأسباب كثيرة وفي طليعتها تركيبة النظام السياسي الطائفي، وتواطؤ السلطات المتعاقبة منذ نظام ما قبل دستور الطائف، فتحول البيان الوزاري إلى جواز مرور للحكومة، وبعدها يصبح طي النسيان.
سلم كثيرون بهذا الواقع، فصارت مناقشة خطة الحكومة لنيل الثقة وكأنها ترف ومضيعة للوقت، بدل أن تكون واحدة من أهم المحطات الدستورية التي تدفع السلطة التنفيذية إلى التدقيق في كل التزام تتعهد به في البيان الوزاري، ومحل ترقب ردة فعل النواب في رقابتهم المسبقة على خطة الحكومة لتصويبها أو لتطبيقها.
إن من الشروط البديهية لنجاح أي حكومة هو وضع الخطط السليمة، ومن ثم الاجتهاد في حسن تطبيقها، وبعدها تأتي سلطة الرقابة النيابية في التقييم ومن ثم المحاسبة، إن افتقادنا في لبنان إلى تطبيق هذه الآليات، هو من أهم أسباب عدم الخوف من الحساب.
قد عدت إلى البرامج الوزارية للحكومات المتعاقبة منذ العام 1943 وقرأت أغلبها. الكثير منها وعود بمشاريع متنوعة، وبالتزام الاصلاحات في الادارة، وتطوير القوانين، وكلام وكلام أعذبه أبعده عن التطبيق.
لو طبقت نسبة ضئيلة من هذه الالتزامات لما وصلنا إلى هنا، ولو تمت محاسبة الحكومات على بياناتها الوزارية، لما كنا وصلنا إلى هنا. بل كنا اليوم دولة منتجة تصدر الكهرباء والنفط والغاز والدواء والسلع الغذائية، وتعلم الدول الأصول في إدارة الدولة، وحسن تطبيق القوانين. لكن الحكومات والوزراء على شاكلة نظامنا الطائفي، المس بهم يصبح مسا بالذات الطائفية.
فرص الحكومة للنجاح
صحيح أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرا، لأننا مقبلون على انتخابات نيابية نريدها في موعدها، ولا يمكن أن نحملها ما لا طاقة لها به، لأنها ورثت حملا ثقيلا، لكن يمكن لها أن تقوم بخطوات سريعة للتخفيف من حدة الانزلاق داخل الانهيار، وفي الوقت نفسه أن تقوم بإقرار خطط طويلة الأمد، ووضعها على سكة التطبيق، لتبدأ من خلالها رحلة العلاج الطويلة.
إن هذه الحكومة تملك فرصا للنجاح ونريد لها أن تنجح، وغالبية الشعب اللبناني تواقة إلى من يقدم لها الحلول والمعالجات. جميعنا كان يطالب بالاسراع في تشكيل الحكومة، لذلك المطلوب منا جميعا التعاون معها لبدء مسار الحل، وهذا يحتاج أولا إلى تحمل المسؤولية الوطنية بعيدا عن أي حسابات خاصة، وثانيا امتلاك الإرادة، وثالثا تغيير المنهجية التقليدية المعتمدة منذ عقود من الزمن، منهجية انتظار الحلول من الخارج، وكأننا شعب غير قادر على العمل وينتظر الإحسان الخارجي، فالخارج يمكن ان يقدم مساعدة، أما قرار الحل فيجب أن ينبع من إرادتنا الوطنية.
المطلوب إعادة تكوين الاقتصاد على أسسٍ جديدة الارتكاز فيها على قاعدة الانتاج، والدولة الراعية، وتنويع الخيارات غربا وشرقا، والبدء من استعادة العلاقات الرسمية الطبيعية مع سوريا، تعزيز الخطوات التي اتخذتها الحكومة السابقة بعد إسقاط فيتو الحصار الأميركي الأميركي بفعل الخطوات التي قمنا بها. يمكن لكل منا توظيف علاقاته وصداقاته لمصلحة لبنان وشعبه بهدف التخفيف من معاناة الناس، وهو ما لجأنا إليه لمساعدة اللبنانيين الذين تلقت غالبيتهم هذه المساعدة بفرح، فمن لديه صداقات في الخارج ندعوه كي يوظفها لمصلحة لبنان، ونحن سنشكره على الملأ.
إن الهم الطاغي اليوم يجب أن يكون هو هم الانقاذ، وهم وهذا المواطن البسيط الذي يفتش عن دواء أو ينتظر على محطة وقود، ولذلك عندما يلمس صدقا في تحسس ألامه، ويدا إنسانية تمتد إليه من دون مقابل وبأخلاقية عالية، لمساعدته على تثبيت سيادته على حقه بالحياة الكريمة، لا يعير بالا لأي صوت أو كلام.
توافر مبلغ مالي كبير
من بين الفرص التي تلوح أمام الحكومة، أنها تبدأ العمل وبيدها مليار 140 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، نحن نطالب بتوظيف هذا المبلغ الكبير في المشاريع الحيوية وأولها الكهرباء، وغيرها من مشاريع تعود بالفائدة على لبنان لحقب طويلة، لا أن يتم صرفه بطريقة عشوائية على مشاريع آنية سريعة التلف.
التفاوض مع صندوق النقد الدولي
تعول الحكومة في البيان الوزاري على استئناف التفاوض الفوري مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى اتفاق، إن هذا النص بالنسبة إلينا، أن الاتفاق يحتاج إلى ندية طرفين متساوين في الحقوق والواجبات، وعدم القبول بالوصفة الجاهزة لدى الصندوق، وعدم الخضوع لشروط لا تتناسب مع مصلحة لبنان، وأن الحكومة ستذهب إلى التفاوض وبيدها خطة وطنية موحدة وواضحة، ولن توافق على ما يملى عليها، وعندما يبدأ هذا التفاوض وتطرح بنود الاتفاق مع الصندوق سندقق في كل بند وشرط، ونحدد موقفنا بناء على ما نراه مصلحة لبنانية.
في أحسن الأحوال كما صار متداولا، فإن صندوق النقد الدولي سيتعهد بثلاثة مليارات دولار كقروض مع شروط قاسية، اليوم بيد الحكومة أكثر من ثلث هذا المبلغ وهو ملك الشعب اللبناني، ويمكن البدء منه وهذا بحد ذاته سيعطي صورة إيجابية عن الجدية في العمل أمام الجهات الدولية الصادقة في مساعدة لبنان.
الكهرباء
أول مؤشر لهذه الجدية هو وضع هذه الحكومة فعليا رؤيتها لملف الكهرباء موضع التنفيذ، وإلغاء لكل الاعتبارات التي عطلت الحلول لموضوع الكهرباء، الحكومة تستطيع في اجتماعها الأول بعد نيل الثقة اتخاذ سلسلة قرارات حيوية تحدث صدمة إيجابية بدءا من الكهرباء. وعدم العودة إلى خلافات حول الخطة وآلية تطبيقها.
شركات الاحتكار
البيان الوزاري يتحدث عن ظرف يحتم مقاربات استثنائية للمعالجات المطلوبة. أول هذه المقاربات إيقاف هذا المشهد أمام محطات المحروقات، أو مشهد البحث عن الدواء، الخطوة الأولى اتخاذ الحكومة قرارا جريئا بالتدقيق المالي في حسابات هذه شركات استيراد المشتقات النفطية والأدوية والسلع الحيوية وفي حسابات شركات التوزيع وكبار التجار للكشف عن حجم الأرباح التي حققها هؤلاء بسبب الاحتكار ورفع الأسعار والتهريب، لأنهم متهمون بنهب أموال الدولة والشعب، دائما هناك حديث عن استرداد الأموال المنهوبة هذه الشركات على اختلاف مستوياتها ساهمت في نهب المال العام لأن أموال الدعم ذهبت بأغلبها إلى حساباتها، وليعتبر وزير العدل ما أقوله إخبارا علنيا على الملأ.
المقاربة الاستثنائية أن تبادر الحكومة إلى شراء الحاجيات الأساسية مباشرة، لأن اللبنانيين ليسوا شعبا عاملا عند هذه الشركات.
المصارف
في موضوع المصارف، وبمعزل عن العبارات المستخدمة في البيان عن إصلاح أو إعادة هيكلة فإن النظام المصرفي في لبنان أثبت فشله، والمصارف لم تكن مؤتمنة على ودائع اللبنانيين، فهي تمارس سرقة موصوفة لهذه الودائع، وهي تتحمل مسؤولية كبرى عما وصلنا إليه من إنهيار مالي واقتصادي، ولذلك عليها أن تعيد للمودعين أموالهم من جهة وتتحمل بقدر مسؤوليتها عن الإنهيار العبء في إعادة تصحيح المسار المالي. الحكومة في أي خطة سواء جديدة أو خطة التعافي معنية بأن تقدم وصفة وطنية لاستنقاذ مال الشعب ومنه الأموال العمومية من بين أيدي من تسبب بهذه المأساة الوطنية. لا أن تعيد تكرار تجربة هذا النظام المصرفي ليتحكم بلبنان.
القضاء
سبق لنا أن قدمنا إلى القضاء المختص مجموعة من ملفات الهدر والفساد في أموال الدولة، وسلمنا لائحة بها إلى وزيرة العدل السابقة، وقدمنا نسخة من هذه الملفات مع مستنداتها إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية، ووضعناها أمام محكمة الرأي العام، حينما عرضنا نماذج منها في مؤتمرات صحافية ولقاءات عديدة، كما نشرتها وسائل إعلام مرئية ومكتوبة بوثائقها وأرقامها والجهات المتهمة.
بعد كل الذي جرى في لبنان من انهيار وتظاهرات وكشف ملفات في الإعلام واتهامات متبادلة بالفساد، لم تتم محاسبة أي من الفاسدين الكبار، ولم يتمكن أحد من إدخال فاسد واحد إلى السجن، فالقضاء في لبنان إلى الآن فشل في القيام بمهمته رغم ما بحوزته من آلاف الوثائق والمستندات لأنه قضاء ممسوك وتابع ولا يشعر باستقلاليته الذاتية، وبانتظار إقرار قانون استقلالية القضاء، سنظل نطرق بابه وفق الأصول عبر وزارة العدل ومباشرة لمعرفة مصير الملفات العالقة وفيها إدعاءات من القضاء نفسه على وزراء ومؤسسات رسمية كمجلس الانماء والاعمار وشركتي الخلوي وصاحب مصرف وشركات متعهدة وأفراد، فضلا عن ملف الحسابات المالية الذي يشهد تقدما كبيرا في ديوان المحاسبة من خلال إنجاز قطوعات الحساب، ولكنه لايزال عالقا في القضاء خصوصا في ظل تمنع حاكم المصرف المركزي عن تزويد القضاء بكشف حول كيفية إنفاق ثلاثة مليارات دولار من الهبات حماية للمتورطين في الهدر والفساد، والخشية أن ينسحب هذا التمنع على التدقيق الجنائي رغم الخطوات التي تمت إلى الآن وهو تدقيق نريده أن يصل إلى كل مبلغ أنفق في المصرف أو في أي إدارة من إدارات الدولة.
عندما كانت مالية الدولة مخطوفة وجرى العبث بحساباتها المالية امتنع القضاء العدلي عن محاسبة رئيس الوزراء والوزراء بذريعة أن هذه صلاحية مناطة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وعلى ذمة من كنا نطالبه من أعضاء مجلس القضاء الأعلى، فإن غالبية أعضاء المجلس أصروا على أن لا صلاحية للقضاء العدلي بمحاسبة رئيس الوزراء والوزراء، وتم رفض طلب استدعاء وزير مالية سابق لأن هذا يستثير ردود فعل رافضة، كما جرى تطبيق عملي لهذا الرأي عندما أحيل ثلاثة وزراء اتصالات سابقين بتهمة هدر المال العام إلى المجلس الأعلى، ولم يتم التحقيق معهم أمام قضاة التحقيق.
هذا القضاء العدلي نفسه وضع اللوم على المجلس النيابي لأنه المعني بتعديل هذه الصلاحية، وطالبنا بتعديل الدستور، ليتسنى له محاسبة رئيس الوزراء والوزراء، وهو ما تكفلت به كتلة الوفاء للمقاومة بالتعاون مع كتل ونواب آخرين لاسيما كتلة التنمية والتحرير، وتقدمنا باقتراح تعديل المادتين 70 و71 من الدستور، واقتراح تعديل قانون المجلس الأعلى، بل ذهبنا أبعد من ذلك تقدمنا باقتراح قانون لمحاكمة الوزراء بمن فيهم الوزراء النواب منذ 1992 أمام القضاء العدلي. وللتذكير في هذه القاعة هنا في جلسة 22 نيسان 2020 كانت ذريعة الذين أسقطوا اقتراحاتنا، هي عدم جواز إعطاء هذه الصلاحية للقضاء العدلي. والمفارقة أن من يطالب اليوم برفع الحصانات من دون تعديل الدستور، هم أنفسهم الذين رفضوا التصويت على رفع الحصانات.
كيف يستقيم قضاء عدلي وبالاستناد إلى المواد القانونية نفسها بعضه يرفض استدعاء وزير للمساءلة لانتفاء الصلاحية، وحينما أراد الاستماع إلى رئيس وزراء سابق، لأخذ إفادته حول أسباب الخلل في مالية الدولة، وما سببه من انفجار مالي هائل في لبنان أدى إلى تدمير اقتصاد البلد وإفقار شعبه، وهو أخطر إنفجار يصيب واحدة من الدول منذ قرن من الزمان، عندما أراد بعض هذا القضاء الاستماع إلى مجرد إفادة أخذت أوسع الاحتياطات، وأحضر المستمع إليه معززا مكرما وبعيدا عن العين ومن باب خلفي، بينما البعض الآخر في هذا القضاء يستضعف رئيس حكومة ويرسل عبر ضابطة عدلية ورقة جلب.
لم يتعدل الدستور ولم يتغير القانون الذي امتنع القضاء في مكان عن محاسبة رئيس الوزراء والوزراء استنادا إلى نصه، فكيف يمكن التعاطي بهذه الازدواجية ومن يصحح الخلل في المعايير ومن يوقف الاستنسابية والتسييس".