التفاصيل
"بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم جميعا فردا فردا ظون استثناء، كل حسب مقامه وكلكم أصحاب مقامات رفيعة.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ صدق الله العظيم.
أيها الإخوة والأخوات، هذه الآية الكريمة هي تكليفٌ شرعيّ وأمرٌ ربّانيّ واضح لا يحتمل التأويل. الله سبحانه وتعالى لم يطلب منا أن نتخاذل، ولم يأمرنا أن نستغني عن قوتنا، بل أمرنا أن نُعِدّ العدّة، وأن نحفظ سلاحنا، وأن نكون على أهبّة الاستعداد لمواجهة كلّ عدو يتربّص بأمّتنا ووطننا. فالقوة ليست خيارًا، بل هي واجب لحماية الأرض والكرامة والسيادة."
نقف اليوم في الذكرى السنوية لانتصار تموز 2006، ذاك النصر الذي صاغته دماء الشهداء وصمود المقاومة، وفي زمنٍ أسود تتواصل فيه المجازر المروعة بحق أهلنا في غزة، مجازر لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في وحشيتها ودمويتها.
ما يجري في غزة ليس حرباً عابرة، بل إبادة جماعية مكتملة الأركان، ينفذها العدو الصهيوني تحت أنظار عالمٍ منافق، يتشدّق بالحضارة وحقوق الإنسان فيما هو يغرق في صمتٍ مخزٍ وجبان. صمتٌ عربيّ قبل أن يكون دولياً. نعم، العرب تركوا غزة وحدها، قبل أن يتواطأ عليها الآخرون، لكن غزة لم تُترك من الله، ولم تُترك من رجالها ونسائها وأطفالها الذين يكتبون بدمائهم وصمودهم ملحمةً تعجز عنها جيوش بأكملها.
نقولها بملء الصوت: فلسطين ليست وحدها. غزة ليست يتيمة. والمقاومة التي تقاتل وتقاوم رغم الجراح هي أمل الأمة كلها، وستبقى خنجرًا في صدر العدو، مهما تكالبت المؤامرات، ومهما عظمت التضحيات.
أيها الأحبة،
لبنان الذي هزم العدو في تموز، يُراد له اليوم أن يُخضع، وأن يُفرض عليه انتداب أميركي جديد تحت مسمى "الورقة الأميركية". تدخّلٌ سافر ووقح في شؤوننا الداخلية، يُراد به رسم مسار لا يشبه تاريخ لبنان ولا كرامته. والأشد إيلاماً أنّ هناك في الداخل من يلهث خلف هذه الورقة، وكأنّ السيادة تباع وتشترى على أبواب السفارات!
إنّ من المخزي أن نجد في الداخل اللبناني من يسعى إلى نزع سلاح المقاومة، هذا السلاح الذي أثبت أنّه قوة الردع الوحيدة، والمعادلة الحقيقية التي تحمي أرضنا وشعبنا. في وقتٍ لا تقوم فيه الدولة اللبنانية بأي خطوة جدّية لوقف الاعتداءات اليومية على سيادتنا وقرانا، نجد بعض المسؤولين يهرولون وراء أجندات خارجية، يريدون تسليم لبنان لقمة سائغة للعدو.
أيها الإخوة والأخوات،
لبنان لا يُبنى بالرهان على الخارج، ولا يُبنى بالاستسلام لإملاءات غربية، بل يُبنى بتوافق أبنائه جميعاً، وبالتمسك بالسيادة الكاملة، دون استثناء ودون خضوع. ومن يريد غير ذلك فهو شريكٌ في الانهيار، ومسؤول عمّا قد يصيب لبنان من أزمات وفتن.
أيها الإخوة والأخوات،
إنّ أخطر ما نعيشه اليوم ليس فقط العدوان على غزة، ولا فقط التهديدات الصهيونية المتواصلة، بل هذا الارتهان المعيب لبعض أركان الدولة اللبنانية. حكومةٌ كان يُفترض أن تكون درع الوطن، فإذا بها تتحول إلى أداة طيّعة بيد السفراء، تلهث وراء أوهام الورقة الأميركية، وتتعامل مع المقاومة – التي هي شرف لبنان – وكأنها عبء يجب التخلص منه!
نقولها للحكومة بصوت عالٍ: عودوا إلى رشدكم! عودوا إلى لبنانيتكم!
توقفوا عن الارتهان، وعن سياسات التفريط، وانظروا جيداً إلى ما يحمي لبنان فعلياً: إنّها المقاومة، لا بياناتكم الباردة، ولا قراراتكم العشوائية.
إنّ قوة لبنان ليست في ضعفكم، ولا في تخاذلكم، بل في معادلة المقاومة التي أثبتت أنها الوحيدة القادرة على ردع العدو. فإذا كان فيكم من يجرؤ على المسّ بهذه القوة، فإنه يمسّ بكل بيت لبناني، وبكل قطرة دم لشهيدٍ ارتقى دفاعاً عن هذه الأرض.
عودوا إلى الحوار الداخلي، إلى الوحدة الوطنية، وإلى حماية عناصر القوة بدل ضربها. فلبنان لا يُصان بالانقسام والتفريط، بل بالمقاومة والكرامة والسيادة.
ونقولها واضحة، صارخة، لا لبس فيها: المقاومة ليست عبئاً على لبنان، بل هي شرفه وكرامته وحصنه المنيع. من يساوم على سلاحها يساوم على دماء الشهداء وعلى مستقبل أبنائنا.
"إلى بعض الداخل اللبناني الذي يتحدّث اليوم عن نزع سلاح الكرامة… أقول واكرر: هذا السلاح لم يكن يومًا عبئًا على لبنان، بل كان الدرع الذي حمانا وحماكم وحما كل اللبنانيين على مدى سنوات طويلة من كل الأخطار التي عصفت بنا من كل الحدود. هذا السلاح هو الذي صان أرضنا وعِرضنا ودماء أهلنا، وهو الذي أعاد للبنان هيبته بين الأمم.
فإياكم والحسابات الخاطئة… وإياكم والرهانات الخاطئة على الخارج، لأن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر لمن يفرّط بكرامتها. إن الكرامة لا تُشترى ولا تُباع، ومن يحاول أن يضعها على طاولة المساومة إنما يكتب نهايته السياسية والوطنية بيده.
وأقولها بصرخة عالية: نحن كنا وما زلنا ندعو إلى الوحدة، لكن ما يجري من خياناتٍ وطعنٍ في الظهر وتآمرٍ على المقاومة، هو خروج عن كل الثوابت الوطنية. فعودوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان… لا تذهبوا إلى التحدي الأخير، ولا تجربونا في هذا الموضوع. نحن أبناء مدرسة سيّد شهداء الأمة، الشهيد الأمين العام السيد حسن نصرالله، الذي قالها بوضوح: إن اليد التي ستمتد على المقاومة ستُقطع."
أيها السيدات والسادة،
إنّ ما يجاهر به نتنياهو اليوم عن "إسرائيل الكبرى" ليس وهماً عابراً، بل مشروع احتلالي يتهدد الأمة كلها. وغزة، بصمودها الأسطوري، وقفت كالعقبة الأولى أمام هذا المشروع، وحمت فلسطين ولبنان والمنطقة بأسرها من أن تتحول إلى ضيعة في يد العدو. لكن الخطر لن يتوقف عند غزة، وإذا لم تتوحد الأمة العربية والإسلامية، فإن الدور سيصل إلى الجميع واحداً تلو الآخر. عندها لن ينفع الندم ولن يبقى مجال للإنقاذ.
إنّ وحدة العرب والمسلمين لم تعد خياراً سياسياً، بل واجباً مصيرياً لإنقاذ غزة، وصون الكرامة، وإفشال أحلام الاحتلال.
ونجدد القول: لبنان الذي صان سيادته في تموز بدماء شبابه، لن يركع، ولن يخضع، ولن يقبل بالوصاية الجديدة، لا أميركية ولا غيرها.
إنّ المقاومة في لبنان لم تولد لتزول، بل وُلدت لتبقى. كل القرارات والضغوط فارغة لا معنى لها. وسلاح المقاومة باقٍ ما دامت الضرورة باقية، وما دام العدو جاثماً على أرضنا ومتربصاً بسيادتنا.
في هذا الزمن الصعب، نقولها كقسم: خيار المقاومة ليس عابراً، بل هو قدر، أمانة في أعناقنا، وهو الضمانة الوحيدة لبقاء لبنان حراً عزيزاً، ولفلسطين أن تعود حرة عربية.
المجد للشهداء،
النصر للمقاومة،
والعار الأبدي للمتخاذلين والمتآمرين والصامتين.