التفاصيل
قال النائب حسن فضل الله في جلسة مناقشة البيان الوزاري: "لطالما كنا من دعاة اعتماد لغة التواصل والتلاقي بعيدا عن التحريض والإتهامات والتشنج، وجعل مؤسساتنا الدستورية وفي مقدمها هذا المجلس مركزا للحوار وتبادل الآراء، وتنظيم الإختلافات، وطرح القضايا الخلافية بلغة هادئة توصل إلى نتائج مرضية للجميع.
ندرك أن البعض مأزوم، ومتشنج لمعاكسة التحولات
لآماله وأمانيه، فلا يرى متنفسا له إلا الهروب إلى مستنقع الخطاب التحريضي المفلس،
ليبقى في مستنقعه، لأنه لاتنفع معه محاولات إخراجه منها. وندرك أن البعض الآخر
يحاول الهروب من مآزقه وخذلان القريب والبعيد له بإصطناع معارك وهمية، وإدعاء
بطولات كلامية، ويوهم نفسه أنه يقارع حزب الله، والحزب لايكون ملتفتا واحيانا لا
يسمع عنها إلا في الإعلام لإنعدام وجود مثل هذه المعارك التي تشبه ملاكمة الهواء،
لأنه ببساطة لايريد أن يخوض معارك حقيقية مع أحد في لبنان، فكيف بالمعارك الوهمية
التي لم يعتد خوضها، لأنه حزب يحمل مشروعا بمستوى المقاومة التي تواجه قوى دولية متسلطة،
وكيانا إسرائيليا محتلا ومتغطرسا، ويلحق بهذه القوى وهذا الكيان هزائم تغير
معادلات في المنطقة لمصلحة وطنه وقضايا أمته وفي طليعتها القضية الفلسطينية".
أضاف: "لن نقف امام المأزومين والمحشورين
واليائسين والمخذولين وما يسوقونه بين الحين والآخر من مغالطات أو تضليل وافتراء،
وفي الوقت نفسه نحن حرصاء على مناقشة الكلام المسؤول الجدي والمنتج، ومن موقع
الإختلاف في الرؤى والمواقف للوصول إلى قواسم مشتركة وهي كثيرة، بخاصة في ظل
التحديات التي تواجه بلدنا، وقد تكون هذه الحكومة هي المدخل. وجود الدولة وسيادتها
على إقليمها وسيادة سلطاتها وتطبيق قوانينها، أمر طبيعي عقلاني، لأنها حاجة ضرورية
لا غنى عنها، وهذا محل إجماع لا خلاف فيه.
السؤال: من الذي منع ويمنع تحقق هذا المطلب،
وهل شعر اللبنانيون صدقا في يوم من الايام بالدولة التي يطمحون إليها؟
دولة قرارها بيد شعبها، وهيبتها في قوتها،
وسيادتها تفرض بقواها الذاتية، تتشكل سلطاتها من دون تدخل خارجي، والإنتماء فيها
للوطن وليس للطائفة، وهناك تكافؤ فرص بين المواطنين على اساس الكفاءة والنزاهة،
وتسودها المحاسبة لمن تسول له نفسه التعرض للمال العام.
لماذا ليس في لبنان مثل هذه الدولة التي من
وظائفها الأساسية حماية شعبها؟.
لو نطق التاريخ الآن لأعاد سرد معاناة شرائح
شعبية متنوعة مع الدولة التي تخلت عن دورها في رعاية الكثيرين من ابنائها
وحمايتهم، كانت هذه الشرائح على الدوام تركض بإتجاه الدولة وهي تهرب منها.
صورة الدولة محفورة في الذاكرة الجماعية كسلطة
ضعيفة متحللة من مسؤولياتها تستباح ارضها وسماؤها من عدوها الإسرائيلي، وهذه
الذاكرة طويلة من مجزرة حولا في العام 1949، إلى تدمير الطيران المدني الوطني في
العام 1968 إلى الإجتياحات الإسرائيلية منذ العام 1972 الى العام 1982. ولم يعثر
الشعب على هذه الدولة حتى اليوم لحمايته من العدوانية الإسرائيلية.
وتختزن هذه الذاكرة صورة الدولة التي تحتكر
سلطاتها وخيراتها فئات قليلة، وعدم إنتظام مؤسساتها، وتطبيق دستورها، وسيادة
قانونها، وهذا بحث طويل قد لا يتسع المجال لتعداد شواهده وإن كان سأشير إلى بعضها
في سياق كلمتي.
العيوب التي أصيبت بها الدولة في لبنان بدأت مع
ولادتها، ورافقت نشأتها وتطورها وصراعاتها الداخلية قبل أن يولد حزب الله ومقاومته
ضد الاحتلال الاسرائيلي. حين غابت الدولة وتخلت عن مسؤولياتها إنبثقت الإرادة
الوطنية بالمقاومة، فهي أي المقاومة مسار وطني لم يبدأ مع حزب الله، لأن العدوان
الإسرائيلي وخطره الدائم على بلدنا هو ايضا مسار تاريخي بدأ منذ زرع الكيان
الصهيوني على حدودنا وإحتلاله لفلسطين وتهجير اهلها.
لو كان لدينا مثل هذه الدولة التي يطمح إليها
اللبنانيون، هل كنا بحاجة إلى مقاومة شعبية تتحمل عبئا ثقيلا هو من مسؤوليتها؟ ولو
لم يكن لدينا مثل هذه المقاومة لكان لدينا مجلس نيابي آخر غير هذا الموجود الآن،
ويناقش البيان الوزاري بلغة إتفاق السابع عشر من ايار الذي أراد إخضاع لبنان
لإسرائيل".
ورأى أن "ما أقرته هذه الحكومة في بيانها
الوزاري حول المقاومة هو من صلب الميثاق الوطني، وهو ما درجت عليه الحكومات منذ
عام 1990، فهذا البيان يجعل في صلب تعهداتها الحق بالمقاومة المعرفة بأل التعريف
والمعروفة بتاريخها وجديتها وحرصها على بلدها، وبدماء شهدائها واستمراريتها
وانتصاراتها وفرضها للمعادلات على العدو، وهي المقاومة التي لم تغرها سلطة، أو
تشغلها التحديات عن بقائها على جهوزيتها لمواجهة العدو الذي يعرف ذلك جيدا، وهذه
المعادلات تحمي الأرض والشعب والدولة والخيرات الواعدة في النفط والغاز والمهملة
في المياه التي تذهب هدرا، هذا الحق مكرس في إتفاق الطائف ومفسر بوضوح في بيانات
الحكومات الوزارية. فمنذ أربع وعشرين سنة تقر به المجالس النيابية، ومن نحر سيبويه
على يديه وهو يحاول تفكيك مفردات هذا الحق ويجادل في رفضه اليوم، سبق له أن منح
حكومات عديدة الثقة على اساسه، وإلتزام الأصول الديموقراطية وإحترام نظامنا
البرلماني هو بمناقشة الحكومة في بيانها فيعطيها الثقة، أو يمتنع، أو يحجبها حسب
إقتناعه، ولا خيار رابع بين هذه الخيارات، كل وزير في هذه الحكومة يلزمه هذا
البيان على قاعدة التضامن الوزاري، مثل ما إعطاء الثقة هو للحكومة كلها وليس كما
في بعض النظم منح الثقة لكل وزير بعينه، ولو كان الأمر كذلك لحدد النواب خياراتهم
بطريقة مختلفة".
وتابع: "نعم، لا ندعي عدم وجود آراء أخرى
حول المقاومة، وهذا ليس جديدا. فمنذ عام 1982 هناك من يرفض فكرة المقاومة، ولا
يعترف بإسرائيل عدوا أو على الأقل تشكل خطرا على لبنان من يرفض أصل وجود المقاومة
لن نتعب أنفسنا معه ولا يتعب نفسه بالبحث عن العبارات والدلالات اللغوية والمعاني
الإصطلاحية".
وقال: "لقد حاولنا جاهدين على مدى السنوات
التسع الاخيرة الوصول إلى الحد المعقول من التفاهم على إعادة بناء الدولة على اسس
سليمة لا هيمنة فيها ولا إستئثار بل دولة تلتزم مبدأالشراكة الوطنية بين المكونات
السياسية والطائفية على الأسس التي ارساها الدستور، لإقتناعنا بأن بلدنا لا يحكم
إلا بالشراكة، ولا يمكن لأحد أن يلغي احدا، ودائما كانت تواجه يدنا الممدودة
بالرفض وأحيانا بالطعن بالظهر، ومع ذلكنعاود بذل الجهد للتلاقي، ونقول لا نريد
صداما مع احد في الداخل، ولا نريد لأحد ان يعتدي على مقاومتنا، وبدل أن يكون
تحملنا لعبء يفترض انه من مسؤولية الدولة وبقية فئات الشعبمحل التقدير والتعاون
ومحاولة المساعدة في تحمل المسؤولية وعدم التهرب منها، يحاول البعض التعرض لهذه
المقاومة تارة في حملات التضليل والتشويه والإتهامات الباطلة وطورا في الإستهداف
الدولي عبر المحكمة الدولية لتصفية الحسابات معها بعد هزيمة الحروب
الإسرائيلية،وأحيانا بقرارات جائرةكالقرارين الشهيرين في الخامس من ايار، ومع ذلك
كنا ولا نزال حريصين على العمل من داخل المعادلة الدستورية والقانونيةلمعالجة مكامن
الخلل من دون ان يكون لنا اي مطلب خاص أو نهدف إلى تحقيق مكاسب حزبية.تشكيل هذه
الحكومة خير دليل على تسهيلنا للامور لحساب مصلحة البلد، وإعادة لم شمله والتأسيس
لتفاهم وطني على القضايا الخلافية".
وأردف: "اليوم لدينا حكومة تسوية على الحد
الأدنى من التفاهم، ونحن نريد لها ان تنجح وأن تعمد إلى تحمل مسؤولياتها لإنجاز
الإستحقاقات الآتية، وفي مقدمها اجراء الإنتخابات الرئاسية، ومكافحة الإرهاب
التكفيري الذي يستهدف بلدنا، وتحصين الإستقرار وحفظ الأمن، وهذا لا يتوافر إلا
بدعم الجيش الوطني الذي هو ضمان حقيقي لنا جميعا، ودعامة السلم الأهلي، إذا كانت
هناك ملاحظات يفترض أن تعالج بالتواصل المباشر بعيدا عن الإثارات فلا يجوز المس
بهيبة هذا الجيش وبدوره، وبالتحريض ضده،في الشارع هذا لايستقيم مع فكرة بناء
الدولة لأنه لا دولة بدون جيش، بخاصة في هذه الظروف التي يقدم فيها تضحيات جسام،
وخطواته الأخيرة في عرسال محل تأييد ودعم اهل عرسال اولا واهل البقاع عامة.
ولمناسبة الحديث عن إنتشار الجيش في عرسالأهالي منطقة البقاع الشمالي بما فيها
القرى المحيطة بعرسال اللبوة والفاكهة وراس بعلبك والقاع والنبي عثمان هم اهل نخوة
وعنفوان وشهامة وعشائر محترمة وكريمة ومضحية وقدمت مئات الشهداء في سبيل هذا
الوطن،وهذه مناطق فيها تنوع ولديها ايضا عاداتها.
معروف تاريخيا امتلاك الناس للسلاح بما
فيهاالمدافع باعراسهم مش بس بيقوصوا بل بيضربوا قذائف. هذه القرى تتعرض لعدوان
حقيقي مصدره وممره من بلدة عرسال التي أخذت رهينة للمجموعات التكفيرية،أرسلت لهذه
القرى سيارات مفخخة وقتل ابناؤها بالشوارع واطلقت عليها الصواريخ، هل تعلمون ما
معنى هذا الأمر بخاصة في البقاع لديها عاداتها وتقاليدها. هذه القرى تحلت باعلى
درجات ضبط النفس، عملوا رد فعل مدني أغلقوا الطرقات بالسوتر ليحموا حالهم وولادهم،
ولم ينزلقوا إلى رد فعل يمارسونه احيانا داخل القرية الواحدة، لأنهم لا يريدون
فتنة، وهذا يجب ان يكون محل تقدير اللبنانيين جميعا.مطلبهم ومطلب عرسال هو الدولة،
وبسط سلطتها، وفتح الأبواب بين الناس، والعودة إلى العيش الواحد. كل عمرهم كانوا
قلبا واحدا لا يجوز ان يسمح لأحد ببث الفرقة بينهم".
وتابع: "لدى هذه الحكومة بيان وزاري،
والتزامات أمام المجلس والشعب اللبناني، وهي تشكل فرصة للبلد كله، وهذا مرهون
بأدائها واداء كل وزير من وزرائها، لا نريدها حكومة متاريس داخلية ولا حكومة مشرعة
على المناكفات، بل حكومة منتجة على قصر مدتها، ونتمنى لرئيسها النجاح الكامل في
إدارة هذه المرحلة وفتح الأبواب بين اللبنانيين.
نحن في هذا المجال لسنا طلاب سلطة، بل نريد
سلطة الدولة القوية القادرة العادلة التي تحضن جميع أبنائها وتحمي تنوعهم وسلمهم
الأهلي وعيشهم الواحد. ولمناسبة الحديث عن الدولة، أود الإشارة إلى أمرين كشواهد.
الأمر الأول: عطل مجلس النواب بدعوى عدم جواز
التشريع في ظل حكومة تصريف اعمال، طبعا هذه ذريعة من وجهة نظرنا لا علاقة لها
بالدستور ولا بطبيعة نظامنا البرلماني، لكن على فرض وجود إجتهاد دستوري. وبمعزل عن
موقفنا من الإستقراض هذا التعطيل لحوالي السنة بإجتهاد جر معه تعطيل لقروض بقيمة
730 مليون دولار موجودة بإتفاقات تحتاج إلى إقرار في المجلس النيابي، وهذا الرقم
قدمه مجلس الإنماء والاعمار بجلسة لجنة المال وحوالي 400 مليون دولار موجودة
بأدراج الحكومة، أي مليار وثلاثين مليون دولار مجمدة بعضها قد تسحب لإنتهاء وقت
القروض. تعطيل هذه المبالغ يترافق ايضا مع تأخير سلسلة الرتب والرواتب الموعودة
لشريحة كبيرة من اللبنانيين.
الأمر الثاني: تتمسك الحكومة في بيانها الوزاري
بالسلم الاهلي وبالابتعاد عن التحريض الطائفي والمذهبي.
نتمنى ان يلتزم الجميع هذه الدعوة من الحكومة
بخاصة الممثلين فيها، وان يمارسوا وظائفهم كمسؤولين في الدولة يعبرون عن سياسة
الحكومة وليس عن مزاجهم الشخصي وإنتمائهم السياسي".
واعتبر أن "الاعلام يحمل المسؤولية
أحيانا، لكن المشكلة ليست في الاعلام وحده، بل في الخطاب السياسي الذي يضج به
البلد. والمشكلة هي في استخدام السلطة للقانون باستنساب، بهدف إسكات الإعلام
الناقد لأدائها".
وتناول مسألة المشاركة في سوريا، فقال:
"سبق أن شرحنا الأسباب الوطنية اللبنانية لإضطرارنا بعد تخلي الدولة عن
مسؤولياتها تجاه مواطنيها، الى الدفاع عنهم وعن مستقبل وجود البلد. وان ما نقدمه
من تضحيات هو عبء نتحمله للدفاع ليس فقط عن حزب أو جهة، إنما ندافع عن كل
اللبنانيين، بسبب عجز الدولة عن القيام بهذا الواجب، ونحمي حتى اولئك المعترضين
علينا رغم ما نسمعه من خطاب تبريري للفعل الإرهابي والتذرع بوجودنا في سوريا.
لن أعود إلى الوقائع التي شهدها لبنان قبل
الأزمة السورية، والمرتبطة بالإرهاب التكفيري على كثرتها.
للذين يبررون أو يربطون العدوان التكفيري
الحالي على لبنان بمشاركة حزب الله في سوريا، أسأل: هل تشارك الكنيسة في القتال،
فجاء رد الفعل بخطف الراهبات والمطرانين؟
هل الجيش اللبناني يقاتل في سوريا، ويأتي رد
الفعل بالهجوم عليه وإتهامه بأنه جيش صليبي؟
هل دولة الرئيس نبيه بري يشارك في القتال في
سوريا، ورد الفعل هو بذلك المخطط الإرهابي للنيل منه، والذي نجا لبنان من آثاره
التدميرية، لأن إستهداف دولة رئيس المجلس هو إستهداف للبلد ووحدته وسلمه الأهلي؟
لم نسمع داخل هذا المجلس وخارجه موقف إدانة وإستنكار وإستحضار للمخاطر.
سبق لنا أن أكدنا، ونكرر اليوم أننا آخر من
تدخل في سوريا بعد أكثر من سنة وثمانية أشهر. وأيا يكن توصيف ما حصل في سوريا،
فإنه في المحصلة، وبعد سنة وثمانية اشهر، جرى خطفه على يد الجماعات التكفيرية
المسلحة التي استوردت من الخارج واعتدت على اللبنانيين والسوريين.
نحن نرى على امتداد العالم أن هناك من ينفض يده
من هذه الجماعات ويجرم أفعالها معروف موقف المملكة العربية السعودية من الاحداث في
سوريا منذ ان بدأت ومعروف من هم حلفاؤها واصدقاؤها واحباؤها في لبنان.
وافترض ان موقفها يرجح بلورة رؤية وموقف هؤلاء
الاصدقاء والحلفاء حيال الوضع في سوريا".
وختم: "لقد تبين للمملكة بعد هذه السنوات
الثلاث أن الجماعات التي خطفت الإرادة الشعبية هي جماعات تكفيرية إرهابية. أليس
هذا هو التفسير الذي أعطي للقرار الملكي السعودي بوضعها على لائحة الإرهاب؟
المقاومة تواجه وتتصدى لمن هم على لائحة
الإرهاب السعودية، أي تقاتل إرهابا، وهذا ما يفترض بأصدقاء المملكة واحبائها في
لبنان مساندة كل من يقاتل من تعتبرهم إرهابيين".